دروب تازا العليا وأزقتها
يلاحظ أن تازا العليا فيها دروب وأزقة تحمل أسماء أعلام وشخصيات مثل درب مولاي عبد السلام، ودرب الصيني وزنقة سيدي مصباح، ودرب الطبيب وزنقة سيدي بلفتوح وزنقة لبريهي وغيرها، ومن المؤكد أن سكان تازا الأقدمين لا يسمون دروبهم وأزقتهم إلا بأسماء شخصيات علمية، لكن لا نعرف لحد الآن شيئا عن تاريخ بعضهم، إلا درب الصيني ودرب الطبيب وزنقة سيدي بلفتوح.
هذا الدرب لا يختلف عن باقي دروب المدينة العتيقة، حيث السقف الخشبي وأبواب المنازل كذلك، والأقواس التي تتجلى في أكثر من درب، كزنقة عبد الجبار القريبة من المسجد الأعظم وزنقة سيدي ميمون وزنقة رأس المسجد وزنقة سيدي مصباح إلخ...
وعلى يمين هذا الدرب كان يوجد كتاب لحفظ القرآن الكريم أيام الحماية، وقد أغلق منذ مدة،
كما توجد في هذا الدرب دار متواضعة كان يسكنها العلامة السيد التهامي البلغمي الفيلالي الذي كان قاضيا في هذه المدينة أيام الاستعمار الفرنسي، وكان يتطوع - رحمه الله - بإلقاء دروس الوعظ والإرشاد في المسجد الأعظم، كما كان يصلي بالناس صلاة العيدين، ويلقى خطبتهما ارتجالا، وتوفي بعد الاستقلال تغمده الله برحمته الواسعة. وعبد اللطيف الفيلالي الذي تولى رئاسة الحكومة المغربية في عهد المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني نور الله ضريحه - كان أحد أبنائه الذين علمهم تعليما عاليا.
ثم لماذا سمي الدرب بدرب مولاي عبد السلام؟ من هو ؟ الله أعلم.
درب الصيني
يظهر أن تسمية هذا الدرب نسبت إلى فقيهين تازيين، فقد جاء في كتاب "نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني" تأليف محمد بن الطيب القادري ج3 ص 146 ما يأتي:
"فمنهم الشيخ محمد بن عبد الرحمان الصيني التازي، وصفه شيخنا سيدي محمد بن عبد السلام بناني في مشيخته بسر الزمان وآية العرفان العالم العلامة الحبر الفهامة المحدث الصوفي المفسر الفقيه الجليل ثم قال: لقيته بمنزله من تازا وقرأت عليه أوائل الكتب الستة وصدرا من الشمائل ومختصر ابن الحاجب وخليل وأجازني في جميع ما له من مروي ومسموع، ومفرق ومجموع بحق روايته لجميع ذلك عن شيخه مشايخ الإسلام أبي عثمان سعيد قدورة الجزائري عن شيوخه المشارقة كالبابلي وإبراهيم اللقاني وعيسى الثعالبي وغيرهم، وعن الشيخ سيدي محمد المقري من شيوخ الجزائر، وبفاس عن سيدي عبد القادر وسيدي حمدون المزوار وسيدي محمد بن احمد الفاسي وغيرهم، وكتب لي الإجازة بخطه، وتوفي -رحمه الله- سنة خمس عشرة ومائة وألف ودفن بتازا نفعنا الله به آمین"
وجاء في الكتاب نفسه : ص 388 ما يأتي:
"ومنهم الفقيه العالم الشهير سيدي عبد القادر بن الصيني القاطن بتازا ودفينها كان له صيت بها، ولم أقف على كلام أحد فيه فنورده فيه، توفي أواخر شعبان عام تسعة وأربعين وألف بتازا وبها دُفن" ولا نعرف لحد الآن مكان ضريحهما. ويقع هذا الدرب قرب الزاوية الدرقاوية.
درب الطبيب بتازا العليا
هو أحمد بن شعيب الجزنائي الشاعر الفحل نزيل فاس، ويدل نسب هذا الشاعر على أنه من جزناية القبيلة الموجودة شمال مدينة تازا، كما انتسب إليها أبو الحسن علي الجزنائي مؤلف كتاب "جنى زهرة الآس في بناء مدينة فاس" والذي كان بقيد الحياة سنة : 766هـ ويضاف إليهما الفقيه المشارك المفتي عمر بن عبد الرحمان الجزنائي نزيل فاس والذي كان حيا سنة: 911هـ.
قال في حقه أبو الوليد ابن الأحمر الكاتب الشاعر المؤرخ الذي عاش حياته العلمية والأدبية في فاس أيام بني مرين في كتابه "نثير فرائد الجمان في نظم فحول الزمان" .. "ومدينة تازا مسقط رأسه ومتوقد نبراسه، وطرا على فاس فحمدت مسراه... إلخ"
وقال ابن خلدون عنه في تاريخه: "برع في الأدب واللسان والعلوم العقلية، وكان له شعر سابق به الفحول من المتقدمين والمتأخرين...... ثم قال "وقد نظمه أبو سعيد المريني في سلك الكتاب المهرة، وكان يقدم إليه الشيء الكثير تقديرا لما كان يقدمه من خدمات أدبية وطبية، فكان كاتبه وطبيبة كما اتخذه أبو الحسن المريني كاتبا في ديوان إنشائه وطبيب بلاطه" وقد اشتهر بالشعر أكثر من اشتهاره بالطب".
وفاته :
يقول الأستاذ الباحث المرحوم السيد محمد المنوني في كتابه "ورقات عن الحضارة المغربية في عصر بني مرين" ص 324، باختصار: "من المعروف أن أبا الحسن المريني قام بحملة وحدوية قصدا لتوحيد تونس مع المغربين الأوسط والأقصى وقد اصطحب العاهل المريني بهذه المناسبة مجموعة ضخمة من أعلام المغربين".
ولم يعتن المؤرخون باستيعاب أسماء هذه الهيئة العلمية، ونعرض هنا أسماء المعروفين من أهل المغرب الأقصى حيث لا يتجاوز عددهم خمسة أعلام، موزعين بين أربع جهات مغربية: فمن مدينة سبتة عبد المهيمن الحضرمي، ومن مكناس محمد بن الصباغ الخزرجي، ومن فاس محمد بن علي بن سليمان السطي، وأحمد بن محمد بن علي الزروالي الأصل، ومن تازا، أحمد بن شعيب الجزنائي، ثم قال وقد قضى الله تعالى أن غرقت جميع أساطيله التي كانت تقارب الستمائة من السفن، ونجا السلطان على لوح من ألواح السفن المتكسرة، وغرق من كان معه من أعلام المغرب نحو أربعمائة عالم كان أبو الحسن لا يستغني عنهم فكانت خسارة علمية لم تعوض، وكان من جملة الغرقى في ذلك الشاطئ التونسي أحمد بن شعيب الجزائي سنة 749هـ وقيل 750هـ".
وإلى هذه الحادثة يشير المرحوم أبو بكر البوخصيبي في قصيدته "على لسان رباط تازا" حيث يقول:
قولي لتونس ردي ما أخــــــذت فلي
في قعر بحــرك أبطال وفرســــــــان
غرقــى هناك ولكني أحن لهـــــــــم
وكيف لا وهــم للعلم أركـــــــــــــان
كم فاخرت بهم فاس وإخوتــــــــها
وهم بفاس يواقيت ومرجـــــــــــان
كانت بهم حلقات الدرس من قـدم
تسمو وكان لها من ذكرهم شــان
أين الطبيب شعيب ضاع وا أسفــي
أن ضاع من شعره الرقراق ألـــــوان
والعالم الماجد السطى بجانبـــــــه
كأنه وهو في المحراب إيمــــان(1)
شيخ ابن خلدون يكفينا ونحن لـــــنا
مع ابن خلــــدون آثـــــــار وبنيــــــان
(1)يشير الشاعر بقوله: "والعالم الماجد السطى بجانبه إلى الفقيه المفتي محمد بن سليمان السطى الأوربي نسبة إلى أورية. وهي قبيلة بالبرانس بنواحي تازا، كان حظي المكان عند أبي الحسن المريني والمدرب في حضرته والمفتي في بعض الأوقات، وقد اصطحبه العاهل المريني مع جماعة من العلماء حين سفره لتونس وقد مات غريقا مع من غرق من اكابر العلماء في ثامن ذي القعدة عام: 749 هـ وقيل 750هـ.
زنقة سيدي بلفتوح
هذا الذي سميت به هذه الزنقة بتازا العليا لا شك أنه هو أحمد بن فتوح التازي الناظم أحد متصوفة إقليم تازاا. لم أقف على ترجمة له، وإنما ورد ذكره في مصادر ثلاثة : المصدر الأول في كتاب "المرقى في مناقب سيدي محمد الشرقي" المخطوط بالخزانة الحسنية رقم : 2888 والثاني في كتاب "الروض اليانع الفائح في مناقب محمد الصالح" المخطوط بالخزانة الحسنية رقم : 61 والمصدر الثالث في كتاب "أعلام المغرب العربي الجزء السادس "أحمد" وهي السلسلة التاريخية التي كان يصدرها تباعا الباحث المغربي السيد عبد الوهاب بن منصور عضو أكاديمية المملكة المغربية -رحمه الله-.
ولابن فتوح التازي قصيدتان في المديح النبوي ومقصورة أولى في نسب محمد الشرقي، وثانية في ذكر سلسلة أشياخه، وقصيدة في مدح هذا الولي.
بالنسبة للمديح النبوي وجدت له قصيدتين مخطوطتين بالخزانة الحسنية وفي آخر كتاب "تعليق الخمائل" لعبد الله الجرسيفي التازي رقم 4440 وقد جاء في آخر الكتاب المذكور ما يأتي: "من أمدام الولي الصالح بن فتوح الفتوحي توفي بيوجعد رحمه الله وذكر له قصيدة بلغ عدد أبياتها 97 بيتا وقصيدة ثانية بلغ عدد أبياتها 30 بيتا، والقصيدة الثالثة 27 بيتا والرابعة 46 والخامسة 40 بيتا"
أما الأستاذ عبد الوهاب بنمنصور فقد قال عنه في كتابه السابق الذكر ص 241 "أحمد بن فتوح التازي فقيه أديب من المغرب الأقصى ويرجع النسب الذي اشتهر به أنه من مدينة تازا، كان من مريدي زاوية أبي الجعد وفي شيوخها الشرقاويين، ألف كتابه المسمى "التعريف المفيد في مناقب الشيخ الصالح بن المعطى وجده القطب أبي عبيد" ثم قال وصفه عبد الخالق بن محمد العروسي في كتابه : "المرقى في مناقب سيدي محمد الشرقي" بالأخ الفاضل وبالعالم العلامة، النحرير الأديب الفهامة، ونقل عنه في الكتاب المذكور بعض أخبار الزاوية الشرقاوية وشيوخها ومن لهم من المريدين".
وقد عرف في هذا الكتاب بالشيخين الجليلين: أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم الشرقاوي العمري المتوفى سنة: 1010 هـ / موافق 1601م المعروف بأبي عبيد الشيخ الشهير، ويحفيده أبي عبد الله محمد المدعو الصالح بن المعطي بن محمد المذكور المتوفى سنة 1139هـ / موافق: 1726م (عن معجم المؤلفين)
ومحمد الشرقي هذا كان بقيد الحياة عام 1113 هـ / 1701م ، وإذن يكون ابن فتوح حيا في هذه الفترة، ثم جملة "توفي يبوجعد"-رحمه الله- ذكرتني بعدة شخصيات علمية تنتمي إلى إقليم تازا توفيت خارجها، وهذه بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
1 - الفقيه العلامة ابن البقال المتوفى بفاس سنة 125 هـ ودفن بباب الفتوح.
2 - الشاعر الصوفي إبراهيم التازي اللتني دفين وهران.
3 - الشيخ أحمد زروق البرنوسي دفين مصراتة بليبيا.
4 - الفقيه النوازلي علي بن عبد السلام التسولي دفين فاس.
5 - أبي عبد الله محمد بن الحسن المجاصي نزيل مكناس ودفينها.
6- عيسى بن عمران التسولي قاضي الجماعة بمراكش، قال عنه صاحب "المعجب..": "عند ذكر قضاة يوسف بن عبد المومن الموحدي ما نصه قضاته : "عبد الله المالقي ثم عزله وولى بعده عيسى بن عمران التازي من أهل رباط تازا من قبيلة يقال لها التسول من الأمازيغ، ثم قال "يرجعون إلى زناتة"، وكان له أولاد ما منهم إلا ولي القضاء وهم :
- علي وكان رجلا صالحا ولى في حياة أبيه قضاء مدينة بجاية ثم عزل عنها وولى مدينة تلمسان.
- طلحة ولى قضاء تلمسان.
- ويوسف تركته قاضيا بمدينة فاس وبلغتني وفاته وأنا بمكة سنة 620 هـ.
- وموسى قاضي الجماعة في وقتنا.
وجاء في كتاب "بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس" : "عيسى بن عمران قاضي الجماعة فقيه حافظ.... ولى قضاء الجماعة، ولم تطل مدته فيها وتوفي بمراكش وهو يتولى قضاء الجماعة لخمس بغين من شعبان سنة 578 هـ"
7- الفقيه إبراهيم التسولي الملقب بابن أبي يحيى، تحدثت عنه عدة مصادر منها ما جاء في كتاب "درة الحجال "جزء أ / ص 95 : "أبو سالم إبراهيم بن عبد الرحمن التسولي التازي عرف بابن أبي يحيى الفقيه العلامة. توفي بفاس 749سنة هـ.
يقول بعض المؤرخين: إبراهيم التازي أحد الأربعة الصالحين: محمد الهواري والحسن أبركان وأحمد بن الحسن لغماري. وقال المرحوم الباحث أبو بكر البوخصيبي في قصيدته تحت عنوان "على لسان رباط تازا" :
فكان يحيى إذا يدعو لمـــــــــــــأثرة
لبـــــاه مفخرة الدنيا أبركــــــــــــان
والعــالم الصوفي التـــــازي بجانبه
وهو في نصرة التوحيد نشــــــوان
من "التسول رعـــاها الله فهي به
سكرى ووهران حتى الآن سكـــران
اعطيت وهران إبراهيم وهو بـــــها
كما بني اليوم ما أعطت تلمســان
سلوا تلمسان عن من منهم عرفت
وضم من صلحاء القوم بستـــــــــان
من مثل زروق فيمــــــــا يستدل به
وهو للبحث والتأليف عنــــــــــــوان
وللتصوف فرد لا يضـــــــــــــــــارعه
فيمــا يفوه به إنس ولا جـــــــــــان